نزع فتيل الحرب: أزمة الحدود اليمنية السعودية..

 

نزع فتيل الحرب: أزمة الحدود اليمنية السعودية..

 

ظلت مشكلة الحدود اليمنية السعودية تشكل أحد مصادر التوتر في العلاقات اليمنية السعودية منذ حرب 1934م، ولم يكن من السهل لأسباب عديدة الوصول إلى اتفاق نهائي حول هذه القضية قبل توحيد شطري اليمن. وعندما قامت دولة الوحدة اليمنية في 22/5/1990م كان من أولى خطواتها التأكيد على تصميم الجمهورية اليمنية على تصفية مشاكل الحدود مع دول الجوار، لكن المفاجأة التي سممت العلاقات اليمنية السعودية كانت الاحتلال العراقي للكويت بعد قرابة 70 يوماً من قيام الوحدة اليمنية ، فقد تم تصنيف الموقف اليمني بأنه كان منحازاً إلى العراق، أو على الأقل لم يكن متوافقاً مع العلاقات الحميمة التي تربط اليمن بدول الخليج وخاصة السعودية والكويت وتوترت العلاقات بصورة متسارعة بسبب استياء الخليجيين من بعض المواقف السياسية الرسمية والحزبية والشعبية المؤيدة للعراق بعد التدخل الأمريكي في الأزمة ، كما أن بعض الدول العربية أسهمت في هذا التدهور من خلال تضخيم ما يحدث في اليمن ويصدر عنها.

وفي أثناء تصـاعد الأزمة السياسية اليمنية93-1994م انحـازت معظم دول الخليج باستثناء قطر إلى جانب الحزب الاشتراكي ، وقدموا له دعماً مادياً وإعلامياً وسياسياً ، ومع ذلك فقد بدأت اليمن بعد سقوط مؤامرة الانفصال محاولات تحسين العلاقات مع دول الخليج دون جدوى ، فقد كان كل طرف مستاء من الطرف الآخر بسبب موقف اليمن من حرب الخليج الثانية وموقف دول الخليج والسعودية من حرب الانفصال.

وطوال عام 94م  تواصلت المحاولات اليمنية لتحسين العلاقات وحققت نجاحاً في ذلك باستثناء الكويت والسعودية التي كان التحسن معهما بطيئاً ، وقد زاد الموقف مع السعودية سوءاً بسبب بعض التحرشات الحدودية التي كانت تحدث بسبب عدم وضوح علامات الحدود بين البلدين. وفي مستهل عـام 1995م تــوترت الأوضاع بين البلدين على الحـدود عسكـرياً بصورة خطيرة ، وتولى الشيخ  عبدالله الأحمر مسؤولية تاريخية في نزع فتيل الحرب وإخراج العلاقات اليمنية السعودية من النفق المظلم الذي دخلت فيه منذ أزمة احتلال الكويت ، وهكذا فقد  توجه الشيخ/عبدالله  إلى السعودية لتحقيق ثلاثة أهداف سامية : نزع فتيل الحرب ، العمل على تحسين العلاقات بين صنعاء وبين الرياض ، ومحاولة حل مشكلة الحدود التي تشكل جزءاً أساسياً ملتهباً من المشكلة . وعلى مدى أربعين يوماً تقريباً دارت مباحثات مطولة وعسيرة بين الجانبين: اليمني والسعودي حول مسألة الحدود  وأسباب المشاكل ، واتفاقية الطائف ، والمناطق التي لم تشملها اتفاقية الطائف ، وكانت المباحثات والحوارات تصل في بعض الأحيان إلى طريق مسدود ، وكانت تتوتر أحياناً  أخرى بسبب بعض التصريحات الإعلامية والتسريبات    اللامسئولة ، وأرسلت صنعاء إلى وفدها عدة مرات تطالبه بالعودة وتأجيل المحادثات ، وأصاب الملل والضجر بعض أعضاء الوفد اليمني وطالبوا أيضاً بالعودة لكن الشيخ أصر على البقاء حتى الوصول إلى نتيجة تضع الأساس لحل مشكلة الحدود ، وتعمل على تنقية العلاقات اليمنية السعودية مما يشوبها ويعكرها ويجعلها دائماً متوترة .

 وعلى الرغم من الأجواء الصعبة سياسياً وإعلامياً ، إلا أن الإيمان بتاريخية العلاقات بين الشعبين اليمني والسعودي، والشعور بخطورة الوضع فيما لو انهارت المباحثات ، كل ذلك جعل (الشيخ) يصمم على البقاء ويعلن للعالم أنه سوف يظل في السعودية حتى يستكمل المهمة التي جاء من أجلها ، وقد أراد الله تعالى أن يحقق هذه الأمنية فتم التوقيع على ( مذكرة التفاهم ) ليلة السابع والعشرين من رمضان - وهي ليلة القدر المباركة في مكة المكرمة ، وانقشع خطر الحرب ، وتواصلت مسيرة الحوار بناء على مذكرة التفاهم التي كانت حجر الأساس لمعاهدة ( جدة ) التاريخية التي أغلقت ملف الحدود نهائياً.

وتوالت المباحثات اليمنية السعودية عبر اللجان لمناقشة القضايا الفنية، لكن الشيخ كان يتدخل كلما تعقدت الأمور أو وصلت إلى طريق مسدود ، وتولى الرئيس علي عبدالله صالح بنفسه ملف الحدود ،كما أسهم الشيخ في الترتيب لأول زيارة يقوم بها (الرئيس) إلى السعودية بعد سنوات الانقطاع ، وكانت الزيارة مهمة من أجل إنهاء القطيعة وإزالة التوتر لكنها تعرضت للتأجيل أكثر من مرة ، وقد تمت الزيارة التاريخية في يونيه 1995م  وشكلت منعطفاً نفسياً أزال الحساسيات ، وكسر الحواجز بين الأشقاء. ثم تلا ذلك زيارة الأمير/سلطان بن عبد العزيز إلى اليمن التي أسهمت في دفع الأمور نحو الأمام ، وأزالت الجفوة ، كما كان من نتائج الزيارة فتح الحدود البرية وبدء التبادل التجاري بين البلدين.

استمـرت المباحثات والحوارات والزيارات بين اليمن والسعودية خمسة أعوام 95-2000م ، ولم يكن الأمر كله سهلاً بل كانت في بعض الحالات تحدث اشتباكات مسلحة ، لكن الأساس الذي وضعته ( مذكرة التفاهم ) مكّن البلدين من تجاوز الصعوبات والمشاكل حتى تجاوز الطرفان عقدة تحديد موقع (جبل ثأر)  و( رأس المعوج) ورسم خط الحدود إلى عمان وحتى  وصل الجميع  إلى لحظة التوقيع على اتفاقية الحدود النهائية في جدة في 12/6/2000م ، ويومها كان (الشيخ) في زيارة خارجية في ( فنلندا ) وغيابه عن احتفال التوقيع على الاتفاقية لم يكن طبيعياً نظراً للدور التاريخي الكبير الذي قام به (الشيخ)، ولاسيما نزع فتيل أخطر أزمة تعرضت لها العلاقات اليمنية السعودية بعد أن يئس الجميع وضغطوا على (الشيخ) لإيقاف المباحثات .

 

  • Facebook
  • Twitter
  • LinkedIn
  • whatsapp