بندقية في الصفوف الأولى للدفاع عن الثورة والجهورية

 

بندقية في الصفوف الأولى للدفاع عن الثورة والجهورية

المعارك الحربية والمواجهات العسكرية

كان استدعاء قيادة ثورة سبتمبر للشيخ / عبدالله بن حسين الأحمر ، من سجنه في المحابشة ، من أوائل القرارات التي اتخذها النظام الجمهوري الجديد ، فقد كان من المتوقع أن تواجه الثورة مقاومة ضارية من أعدائها كما حدث في ثورة 1948م الدستورية ، وكان من الضروري أن تحشد الثورة كل طاقاتها للدفاع عن وجودها .. ولذلك كان قرار الثورة سريعاً بإطلاق سراح الشيخ/عبدالله بن حسين الأحمر واستدعائه للوصول إلى صنعاء نابعاً من اليقين بأن هناك دوراً تاريخياً ينتظر (الشيخ) في الدفاع عن الثورة.

بعد يوم واحد من وصوله إلى صنعاء ، انطلق الشيخ / عبدالله بن حسين الأحمر يقود حملة عسكرية مكونة من عدد من ضباط وجنود الثورة بعد أن زودهم الرئيس عبدالله السلال بكميات من الأسلحة، وانطلق الجميع إلى مدينة (خمر) التي ستتحول خلال عهد الدفاع عن الثورة إلى قلعة متقدمة في مواجهة العداء الإمامي والكيد الملكي لإسقاط الجمهورية والثورة ومع وصول ( الشيخ ) خرجت ( حاشد ) من كل حدب وصوب تستقبل ابنها الخارج من سجن الإمامة ، وكانت فرحة اللقاء لا توصف بعد سنوات تعرض فيها زعماء ( حاشد ) للقتل والسجن والإبعاد عن مواطنهم وانخرطت ( حاشد ) من يومها في جيش الثورة ، وتوجهت المجاميع بقيادة ( الشيخ ) للقضاء عـلى مقاومة المنطقة الوحيدة في ( حاشد ) التـي قـاومت الثورة وهي منطقة (القفلة) ، وفي خلال ساعات تم القضاء على المقاومة وطرد المتمردين خارج المنطقة ثم انطلقت الجموع لمطاردة الإمام المخلوع (البدر) إلى (شرس) و(وشحة) وفي الوقت نفسه كانت جموع أخرى بقيادة ( مجاهد أبو شوارب ) تقوم بمطاردة الإمام المخلوع ، وكان الهدف منعه من الهروب وإلقاء القبض عليه أو قتله .. لكــن        ( البدر) تمكن من الهروب وتجميع القبائل للقتال معه ولاسيما بعد أن حصل على دعم مالي وعسكري من المملكة العربية السعودية ، وبدأت المعارك بين الجمهوريين وبين الملكيين ، وكل طرف كان يسعى لإثبات وجوده في منطقته وطرد الطرف الآخر، ففي الجبهة الغربية دارت معارك كثيرة في ( حجة ) و ( المحابشة ) و (كشر) و (وشحة) وفي الجبهة الشمالية ( صعدة ) دارت أيضاً معارك عديدة ، وتمكن الملكيون من السيطرة على المناطق التي لم يكن فيها قوات أو أنصار للجمهورية ، واشتعلت الحروب في المناطق التي كان فيها أنصار للجمهورية.

اتخذ الشيخ / عبدالله بن حسين الأحمر منطقة ( القفلة ) مركزاً لقيادته العسكرية باعتبارها منطقة متوسطة يمكن التحرك منها بسهولة في شتى الاتجاهات ، وفي بعض الأحيان كانت هجمات الملكيين تصل إلى منطقة (القفلة) نفسها وخاصة بعد وصول إمدادات الأسلحة والمؤن إليهم كما أنهم كانوا يقاتلون عن اقتناع عقيدي بالإمامة وبالإمام، بالإضافة إلى استيائهم مما كان يصل إليهم من أخبار عن بعض التصرفات الخاطئة في صنعاء وأخبار الإعدامات التي حدثت في الأيام الأولى للثورة وطالت بعض رموز النظام الأمامي .

كانت أهم المعارك التي خاضها الجمهوريون في العام الأول للثورة بقيادة الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر هي معارك الدفاع عن ( حجة ) و ( صعدة ) التي كانت تخوضها قوات قبلية لأن الجنود الرسميين إما كانوا قليلي العدد أو أنهم كانوا يعملون على الأسلحة الثقيلة .. وتواصلت المعارك في أكثر من منطقة بين هجوم على القوات الملكية أو دفاع عن المناطق الجمهورية التي كانت تتعرض للهجوم أو الحصار        أو السقوط في أيدي الملكيين.

وفي سنة 1964م شاركت قوات قبلية من حاشد في فك الحصار عن صنعاء من جهة بلاد الروس وبني مطر ، ودخل جيش كبير من حاشد صنعاء وفي مقدمته الأستاذ محمد محمود الزبيري والشيخ / عبدالله بن حسين الأحمر .

وبعد أسبوع بدأت حملة جديدة لفتح طريق صنعاء سنحان ، وتوزعت الحملة على عدة اتجاهات وهدفها ( بلاد الروس ) و ( سنحان ) و  (سيان) والمناطق الشرقية من صنعاء حيث كان يتواجد الأمير (عبدلله بن الحسين) أحد أبرزقادة القوات الملكية،  وانتهت الحملة بهزيمة الملكيين وفتح المناطق الشرقية والطريق حتى ( نقيل يسلح) ، وكان من أبرز المشاركين في الحملة العميد/ مجاهد أبو شوارب والرئيس علي عبدالله صالح الذي كان حينها يقود دبابة .

وبعد الانتهاء من المعارك في المناطق الشرقية لصنعاء استدعى المشير/ عبدالله السلال الشيخ / عبدالله بن حسين الأحمر وطلب منه التوجه إلى ( حجة ) التي أرسلت تستنجد بعد أن حاصرها الملكيون من جديد ، وقاد ( الشيخ ) حملة عسكرية انطلقت من الحديدة وضمت جنوداً وقبائل من حاشد وسنحان وبلاد الروس والحديدة ، وتم فتح طريق حجة وفك الحصار عن المدينة ، واستمرت المعارك لتنظيف مناطق حجة ، وسقط في هذه المعارك قرابة مائة شهيد.

لم يكن للثورة حينها جيش رسمي منظم ،  وما حاولت الثورة إعداده لم يكن بالصورة المطلوبة بسبب ضعف الخبرة والتجربة رغم وجود الحماس والاستعداد للتضحية ، ولذلك كان الاعتماد على القوات المصرية الشقيقة وعلى القوات القبلية(الشعبية) المؤيدة للثورة والجمهورية ،وكان أهم هذه القوات القبلية المقاتلون من قبيلة (حاشد) الذين شكلوا الجيش القبلي الأساسي للدفاع عن الثورة ، وبالإضافة إلى (حاشد) كان هـناك قــوات قبـلية أخـرى مؤيدة للثورة والجمهورية مثل        (ذو محمد) بقيادة العميد/عبدالله دارس ، وقبائل (الحدأ) بقيادة مشائخ بيت القوسي وبيت البخيتي ، وقبائل (نهم) بقيادة الشيخ /سنان أبو لحوم ،وكذا قبائل البيضاء بقيــادة الشيخ/ أحمد عبدربه العواضي ، والشيخ ســالم الحميقاني وغيرهما من مشائخ البيضاء .. وكان هؤلاء المشائخ وقبائلهم يشاركون في القتال عندما تطلبهم الدولة للمشاركة في منطقة من المناطق لفترة معينة فيما كانت قوات (حاشد) أشبه بالجيش الرسمي الذي تحمل مسؤولية الدفاع المستمرعن الثورة . وكان الشعور السائد في حاشد وعند مشائخها وأفرادها أنهم مسؤولون عن حماية الثورة التي كانت ثمرة نضال طويل شارك فيه مشائخ حاشد البـارزون مـثل الشيخ / حسين بن ناصر الأحمر وابنه حميد اللذين استشهدا وكان مقتلهما المسمار الأخير في نعش الإمامة .. كما أن المعاناة والتخريب والدمار الذي حل بحاشد عزّز من مواقفها مع الثورة وضد الإمامة.

وعندما حدثت الخلافات داخل الصف الجمهوري ، وتصاعدت المشاكل ووصلت إلى حد الاعتقال والسجن والقتل والتشريد ، استمرت قوات الجيش الشعبي القبلي تدافع عن المدن الكبيرة مثل ( صعدة ) و ( حجة ) وتمنع سقوطها في أيدي الملكيين ، وتحمل الجنود قطع رواتبهم المفروضة لهم من الدولة وكذلك انقطاع المؤن الغذائية، وتحملت (حاشد) أعباء ذلك لكيلا تخسر الجمهورية المناطق التي تحررت.

وبعد هزيمة 5 حزيران 1967م أرسل الشيخ / عبدالله بن حسين الأحمر برقية إلى جمال عبد الناصر باسم جميع الضباط الأحرار والمثقفين والمشائخ والعلماء المتواجدين في ( خمر ) يعلنون فيها استعدادهم للتطوع وإرسال عشرة آلاف مقاتل للقتال مع الجيش المصري ضد العدو الصهيوني وتحرير الأرض العربية المحتلة ، وتم تجهيز آلاف من المقاتلين من مختلف المناطق والقبائل وتوجهوا إلى صنعاء مبدين استعدادهم للذهاب إلى مصر للقتال مع إخوانهم المصريين ضد العدو الصهيوني، لكن القيادة المصرية في اليمن طلبت من الشيخ / عبدالله بن حسين الأحمر والذين معه التوجه إلى ( حجة ) واستلام المدينة بعد انسحاب القوات المصرية منها والتي تقرر أن تعود إلى مصر .. وبدأت الأمور تسوء والأوضاع تتدهور مع قرب انسحاب القوات المصرية ، ومن صنعاء دعا الشيخ / عبدالله بن حسين الأحمر المشائخ ،الذين كانوا على خلاف مع المشير السلال إلى الاجتماع في ( معبر )، وعقدوا مؤتمراً أطلقوا عليه ( مؤتمر معبر ) للمشائخ الجمهوريين اتفقوا فيه على المحافظة على الجمهورية والعاصمة صنعاء ،وضمان سلامة الأشقاء المصريين والتعاون معهم ونسيان الماضي والمطالبة بعودة المسؤولين اليمنيين المعارضيين للسلال الذين كانوا معتقلين في مصر . وعاد الشيخ / عبدالله بن حسين الأحمر بعدها إلى مناطق الحرب والقتال ،وذهب إلى ( عمران ) لتثبيت الأوضاع فيها بعد انسحاب القوات المصرية منها ، وبدأت المواجهات العسكرية تشتد بين الجمهوريين وبين القوات الملكية في أكثر من منطقة ولاسيما بعد أن نجح الملكيون في استغلال سوء أوضاع الثورة والجمهورية وبدأوا يكسبون ولاء بعض المشائخ ويعطونهم أسلحة وأموالاً . استمرت الحرب سجالاً بين الطرفين ، وكانت قيادات الملكيين تعتقد أن انسحاب القوات المصرية من اليمن سوف يسهل عليهم دخول صنعاء ولكن لابد قبل ذلك من القضاء على مقاومة (حاشد) أولاً ، غير أن  المقاومة التي واجهوها في (ذيبين) و(غربان) و(مرهبة) و(القفلة) و(حرف سفيان) أفشلت الخطة ، وحسم الجمهوريون المعارك لصالحهم في معظم هذه المناطق ، وحافظوا على راية الجمهورية عالية مرفرفة بانتظار معركة الحسم الكبرى في صنعاء . كما قام (الشيخ) عبدالله بعقد اتفاقات (مراقيم) بين حاشد وبين عدد من القبائل كبعض قبائل بكيل في المناطق الشرقية ومثل بعض قبائل (الأهنوم) و (عذر) و( حجور) في المناطق الغربية ومثل قبائل (سفيان) .. وكان مضمون الاتفاقات (المراقيم) هو :وقف الحرب ، وانسحاب القوات من الطرفين ، وعودة الجميع إلى مناطقهم ،وعدم شن الحرب من أي طرف ضد الآخر ، وليحدد كل طرف اختياره مع الجمهورية أو الملكية ولكن دون قتال أو حرب في المناطق .

وقد أدت هذه (المراقيم) إلى إفشال خطط الحرب التي أعدها قادة بيت حميد الدين ضد (حاشد) التي كانوا يعتبرونها شوكة في حلوقهم وقرروا أن يبدأوا بها بعد انسحاب القوات المصرية ثم بعد ذلك يصير الوصول إلى صنعاء أمراً سهلاً.

ومع اقتراب موعد انسحاب القوات المصرية من اليمن توتر الوضع في صنعاء بين القيادة المصرية في صنعاء وبين المشير عبدالله السلال و جماعته بسبب رغبة المصريين في إنجاح عمل لجنة السلام العربية التي شكلها مؤتمر القمة العربية في الخرطوم لحل الأزمة اليمنية ،لكن تيار ( السلال ) والمؤيدين له رفضوا التعاون مع لجنة السلام العربية أو استقبالها ، واستدعى المصريون مشائخ القبائل الجمهوريين المعارضين للسلال إلى صنعاء، فدخلوها بمناسبة ذكرى ثورة سبتمبر1967م من جميع المناطق من حاشد وخولان والبيضاء والحدأ وبني مطر ونهم ورداع وصنعاء ، وعندما انفجر الخلاف بين المصريين وجماعة السلال تعرض عدد من الجنود المصريين للقتل على أيدي جماعات فوضوية من أنصار (السلال) ، وحينها قام المشائخ بقيادة       الشيخ / عبدالله بن حسين الأحمر ، بحماية الجنود المصريين المطاردين في الشوارع  والمختبئين في البيوت أو كانوا يؤدون واجبهم في بعض مناطق العاصمة ، كما قاموا بواجبهم تجاه القوات المصرية ومحاولة تهدئة الأمور فقاموا بزيارتهم إلى مقر القيادة واعتذروا لهم عما حصل من قبل الغوغاء والفوضويين الذين كانوا أصلاً  مدعومين من قبل المصريين ضد تيار الإصلاح والسلام بقيادة الزبيري والنعمان والإرياني والشيخ/عبدالله بن حسين الأحمر ، وقام المشائخ بتقديم عشرة رؤوس من البقر(تهجير) إلى مقر قيادة المصريين وتأثر المصريون من هذه المواقف الإنسانية العظيمة من قبل هؤلاء المشائخ الذين طالما أساءوا إليهم والى وطنيتهم وإيمانهم بالثورة والجمهورية ، وفي المقابل سعى (الشيخ) عبدالله وزملاؤه إلى تهدئة المشير (السلال) وجماعته نظراً لحساسية الموقف العسكري بعد انسحاب القوات المصرية.

 

مراجع إضافية لمزيد من المعلومات :

1.   الرجل الذي أحبه الحرم والهرم وبطل الجمهورية الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر ، عبدالرحمن طيب بعكر .

 

  • Facebook
  • Twitter
  • LinkedIn
  • whatsapp