الدكتور صالح سميع يدعو إلى إجماع وطني حول التعديلات الدستورية


دعا الدكتور صالح سميع وزير المغتربين السابق النخبة اليمنية في السلطة والمعارضة إلى إيجاد إجماع وطني حول التعديلات الدستورية المقدمة إلى مجلس النواب.

وأكد - خلال محاضرة له بمنتدى الأحمر اليوم الإثنين والتي شهدت حضورا نوعيا - أن الدستور هو العقد الاجتماعي الذي ينظم علاقة الحاكم بالمحكوم وبالتالي فإن التفرد في إقرار التعديلات أمر له مخاطره.

وحذر سميع في محاضرته من غرق السفينة إذا استمرت السلطة في سياستها ونهجها الحالي، مؤكدا في ذات الوقت أنه سبق وأن وجه هذه التحذيرات للسلطة في عام 2005م لكنها لم تعر تحذيراته اهتماما.

وطالب النخب اليمنية من مختلف الأطياف بالعمل على مواجهة الاستبداد السلطوي، وجعله العدو الأول والقضية الجوهرية في عملها، داعيا في ذات الوقت أحزاب اللقاء المشترك إلى تغيير اسمها بعد أن رأى حالة الانسجام والاتفاق الموجودة بين الأطراف المنضوية تحت لوائه.

ودعا سميع الرئيس علي عبدالله صالح إلى العمل على إنقاذ شعبه ونفسه وأن لايغادر مربع المسرح السياسي حتى يحل مشكلة السلطة، مؤكدا أن الإصرار على السير في طريق الندامة سيؤدي باليمن إلى المهالك عما قريب.

أقل مرارة

الدكتور صالح سميع أكد في محاضرته تحت عنوان (الإصلاح السياسي والدستوري طريقان لا ثالث لهما) أن النظم العربية بشكل عام اتخذت صيغة الشكل الجمهوري محكوم برجل واحد هو قطب الرحى في النظام.

ووصف سميع الأنظمة الملكية في الوطن العربي بأنها أقل مرارة في حصادها من الأنظمة الجمهورية، مضيفا: الحقيقة أن هذه الأنظمة التي تسمي نفسها جمهورية اغتصبت السلطة من يد الأمة وهذه الحقيقة تقود إلى حقيقة أخرى مفادها أن النخبة في السلطة والمعارضة لم ترقى إلى حل مشكلة التداول السلمي للسلطة وهذا تحدي علينا أن نواجهه جميعا وألا ندس رؤوسنا في التراب.

وجدد التأكيد بأن الشكل الجمهوري في الأنظمة العربية أشد مرارة في حصاده من النظم الملكية التي تقوم على شرعية تاريخية تم القبول بها من الآباء والأبناء، ودافعوا عنه وبالتالي لم يعد الملك أو السلطان بحاجة إلى خلق صورة مدلسة للواقع بأدوات يؤسسها على الفساد.

وأضاف: رئيس الدولة الجمهوري المسند بالسلطة وصل إلى السلطة بعد توالي انتقال السلطة بالانقلابات العسكرية مسنودا بقوة الجيش وعندما وصل إلى السلطة بدأت نفسه في الطموح بالاستبداد بالحكم وبالتالي يبدأ في الإعداد لإستراتيجية انتزاع السلطة عبر وسائل مباشرة كالاستفتاء أو وسائل غير مباشرة كالانتخابات فيهندس لهذا الأمر هندسة شيطانية تؤدي إلى سلب الأمة حق التداول السلمي للسلطة.

سميع قال: إن هناك أدوات يستخدمها الحاكم للاستبداد بالحكم، مضيفا: المستبد الجمهوري عندما يصل إلى السلطة يصل ومعه مؤسسة عسكرية، وهذه المؤسسة تمكنه من امتلاك عنصر مهم وهي سلطة المال سواء المال النقدي أو المال العيني وبحيث يتصرف فيها كيف يشاء وبعد امتلاكه لهاتين السلطتين يمتلك الوظيفة العامة وبالتالي تصبح إحدى أدواته للإستبداد.

واستطرد: بعد امتلاك المستبد الجمهوري لهذه الأدوات يأتي بعدها لامتلاك سلطات دستورية واسعة ويبدأ بعد ذلك في البناء التفصيلي وهي هندسة الدستور هندسة تمكن له سلب الحق على الأمة في امتلاكها للسلطة، حيث يبدأ في صياغة شكل النظام الذي هو في الوطن العربي مختلط، وهذا النظام في الحقيقة هو إبداع فرنسي ظهر في الدستور الفرنسي عام 58م، وهذه الصيغة استهوتها الأنظمة العربية الجمهورية لأنها تعطي صلاحية واسعة للرئيس دون مساءلة فالشعب لا يسأل عن شيء والحكومة هم عبارة عن مجرد موظفين والأخوة الوزراء الذين معنا يدركون ذلك.

وواصل: هذه مسأل مرعبة وخطيرة وقيمنا وديننا رفض هذا، فأحد المواطنين يقول لعمر بن الخطاب لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناك بسيوفنا، مضيفا: لا أظن أن أمتنا وشعبنا يقبل بوضع هكذا، ولا يمكن أن يقبلوا شخصا يمتلك كل شيء في السلطة ثم يضع في الدستور من النصوص ما يكمل حلقات الاستفراد بالحكم، بحيث يصبح مصدر الولاية والعزل، وتصبح السلطة التنفيذية واحدة من أدواته.

وواصل: من أدوات المستبد الجمهوري في الوطن العربي هي توظيف المال الظلامي الغير شفاف الذي يأتي في الظلام لإنشاء جهاز ضخم يسميه حزب سياسي وهو يصل إلى هذا بعد أن يتجه إلى النخبة ويخلق له ولاءات بالمال الظلامي فيحصل انشقاق وسط النخبة.

وقال: هذا الجهاز الإداري المكون بالولاءات المشتراه من المال الظلامي يحصل به على أغلبية مريحة، وبامتلاكه هذه الأغلبية يصبح البرلمان أداة من أدوات المستبد وبالتالي امتلك السلطات الثلاث.

وأضاف: بعد ذلك يتجه المستبد الجمهوري نحو التزوير ونحو خلق وعي زائف، ولكي يخلق وعي زائف بالصورة المدلسة يتجه الجمهوري المستبد إلى وسائل الإعلام لخلق هذا الوعي الزائف حتى يصبح يمتلك كل شيء ولا يسأل عن شيء باعتبار أنه أصبح يرى ما لايرون كما قال فرعون.

وحذر سميع من مآلات هذا الوضع، وقال: "إن مآلاته ستكون كارثية ولا ينبؤكم مثل خبير، ولو نظرنا إلى الواقع المشاهد فهو يخلق شبكة معقدة من الفساد بعضها يلازم بعض".

وأشار إلى أن من أهم مظاهر هذا الفساد هو طغيان الشخصنة في كل شيء وغياب دولة المؤسسات، مؤكدا أن الحديث عن دولة مؤسسات في ظل هذا الوضع عبارة عن شعار أجوف.

وأضاف: من مظاهر هذا الفساد هو تواري مبدأ سيادة القانون وظهور مبدأ الولاء وهو مبدأ قائم، وآثاره السلبية ستكون مدمرة لأنه يقضي على النظام الوظيفي باعتبار أنه يقوم على الولاءات كما هو حاصل في الجامعات اليمنية حيث يتم تعيين رئيس المؤتمر الشعبي العام رئيسا للجامعة.

حلان

وأكد وزير المغتربين السابق أن هناك حلين لا ثالث لهما للخروج من الأزمة الحالية هما طريق الندامة وطريق السلامة.

وقال: طريق الندامة هو طريق المستبدين الذين وصل بهم العمى لحب السلطة حتى أصبحوا أسرى للذتها.

وأضاف: "أما الطريق الثاني فهو طريق السلامة وهنا يحل الأمل بحيث نفترض أن المستبد جاءته لحظة صحوة بعد أن جرب كل الوسائل القمعية والاستبدادية والإرهاب، عندها فإن هذه الصحوة للمستبد ستحدث صحوة في ألئك الذين اشتراهم بماله وإغراءاته، وفي هذه اللحظة قام بإعادة السلطة لأصحاب الحق وهو الشعب ودعا النخبة التي لم يقوى على شرائها لصناعة إستراتيجية للإفراج عن الحاكم ثم نصل إلى حسم تاريخي وبالتالي لا يأتي عام 2013 إلا وكل الأمور جاهزة لتداول سلمي للسلطة".

واستطرد: "لم أقف أمام مشروع التعديلات الدستورية كثيرا لأنها لم تتضمن أي نص يطال قطب الرحى في النظام، بل على العكس فقد وجدت أن هناك مجالات تضمنها مشروع التعديلات تكرس الاستبداد، ولم أجد نقطة ضوء تشير إلى ترك السلطة وهذه الطريق لا تعني سوى طريق الندامة.

وأضاف:في المقابل وقفت طويلا وحزنت بعدها عندما نظرت في أن هذه التعديلات لا تليق بمجلس نواب فقد أدركت كم هو حجم الجهل في هذه السلطة التشريعية التي تسمي نفسها سلطة والتي حرص الحاكم على إدخال كم عددي فيها لا أقل ولا أكثر.

وواصل: كتلة الأغلبية لم تقف عند حد الدفاع عن الوضع الراهن في الاستبداد الجمهوري بالسلطة والاستحواذ بها بل سلكت مسلكا هجوميا انتحاريا بهدف استرداد ما أثمره نضال الحركة الوطنية المعارضة منذ أمد بعيد.

وأكد أن الهدف من وراء التعديلات الأخيرة والتي تضمنت إضافة 44 مقعد للمرأة هو تكريس مزيد من السلطة عن طريق زيادة كمية عددية، وكسب ود الدول المانحة.

وأضاف: لو كان النظام السياسي جادا لسلك مسلكا آخر في التعديلات الدستورية وأقام النظام على مبدأ التوازن المانع من للإستبداد، وفك أسر السلطة وأرجعها لصاحب الحق فيها وهي الأمة.